الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

دور مصر في نقل الحضارة إلى إفريقيا الشرقية بعصر اسماعيل


دور مصر في نقل الحضارة إلى إفريقيا الشرقية بعصر اسماعيل

 
كتب – محمد جمال سباق الحويطي
قامت مصر بعهد الخديوي إسماعيل بتغيير جذري في الحياة الإفريقية، فنقلت مصر  الحضارة إلى المنطقة الإفريقية الشرقية ،وغيرت حياة أهلها من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى المعرفة ، ومن الهمجية إلى التمدن.

بهذه الكلمات القليلة كان دور مصر المشرف في شرق افريقيا وذلك من خلال قراءتي لكتاب "مصر في إفريقيا الشرقية (هرر وزيلع وبربرة)" للدكتور محمد صبري، الذي اعادت احياءه وطبعه هيئة قصور الثقافة حديثًا ضمن سلسلة العبور2019م.

وفي هذا الكتاب القيم بعض النقاط البارزة عن دور مصر في إرساء  سفينة الحضارة في هذه البلاد ،ومن صفحات مضيئة من تاريخ الخديوي إسماعيل، التي قد يغفل عنها الكثير بسبب التقصير في عدم الاهتمام بها والبحث عن هذا الجانب، ومن الواضح أن هناك صعوبة في تناول مثل هذه الدراسة حيث أن المصادر التي اعتمد عليها الكاتب هي مخطوطات لم تنشر مثل محفوظات سراي عابدين ، ومحفوظات وزارة الخارجية الإنجليزية ، والمطبوع من مصادره التي اعتمد عليها هي مطبوعات أجنبية، ليأتي هذا الكتاب ويخرج لنا صفحة من تاريخ مصر كانت مطوية.

وفي متن الكتاب يحدثنا الكاتب عن استطاعت المصريون بعمل تحسينات كبيرة في هذه الممالك والمدن الأفريقية ( هور وزيلع وبربرة ) وأسسوا في أرضهم المستشفيات والصيدليات ومكاتب البريد والمخابز و الطواحين، كما سُجلت المواليد والوفيات وعقود الزواج ، وعمرت الشوارع بمصابيح مضيئة بالغاز كنظائرها بمصر ، وحثوا المصريون قبائل هذه البلاد علي الزراعة فأقيمت البساتين من اللوز والخوخ والليمون والبرتقال والمشمش والموز وجميع بقول الدلتا وحبوبها من قمح وقصب سكر وبطاطس وقرع وبنجر وشمام وبطيخ وخيار وقثاء وكروم النخيل .

وازدهرت هذه البلاد ، وذيع صيت مصر في هذه الأرجاء وكان  يعرف لديهم خديو مصر بـ"السلطان اسماعين"  فكان أول هم اسماعيل في البحر الأحمر منذ سنة 1865 امتلاك الساحل الأفريقي لذلك البحر، فكانت أول خطوة تنازل السلطان العثماني له عن مينائي سواكن ومصوع ،فان فرمان 27 مايو سنة 1866 قد نص على منح والي مصر حكومة وراثية في جميع الملحقات المصرية بما فيها سواكن ومصوع . 

لم يكن بمقدور الحبشة ولا في مقدور أية دولة أوربية أن تفعل ما فعلته مصر في هذه الأقطار ذلك لأن المدنية المصرية العربية لا تبقى على السطح بل تذهب إلى الأفاق وتعني بالبناء الصحيح ، وهذه الحقيقة يعترف بها كل كاتب منزه عن الهوى ، وقد فطن اليها الرحالة الألماني" هلد براند".

وعلى الرغم من كل هذا الازدهار والتحول من حال إلى حال في افريقيا الشرقية على يد المصريين ،كانت المدة التى بقى فيها المصريين قصيرة فلم تتجاوز التسعة أعوام في هرر(1875 – 1884) والاثني عشر في بربرة (1872 – 1884 ) وكان يقيم في هرر وحدها 14500 مصري من مدنين وعسكريين تزوج كثير منهم من أهل المدينة واقتنوا أملاكا وأنفقوا ما استطاعوا في بناء البيوت عملا بأوامر الحكومة التي كانت تريد أن تعطي مثلا للسكان ليتنافسوا في الأخذ بأسباب العمران ،فلما أخلى المصريون هرر علي عجل بيعت أملاكهم بالمزاد فخرجوا منها صامتين.

وفي نهاية الكتاب أبدى الكاتب حصرته وحزنه علي عدم بقاء مصر في هذه البلاد فيستشهد قائلاً :
ولو دام الحكم المصري ، كما اعترف بذلك قنصل انجلترا في الصومال – لاعتنق الجالا الإسلام ، الذي هو خير ألف مرة من الوثنية ، ولهيمنت مصر على الملايين من قبائلهم المنتشرة في قلب أفريقيا ،ولو دام ذلك الحكم لانتقل الصومال من حالة الفطرة والجهل الى حال أخرى ولدخلوا في ميدان الحضارة أفواجا ، ولتحققت أمنية محمد مختار رئيس أركان حرب الجيش المصري في بداية الفتح ، اذ كتب في 16 أكتوبر سنة 1875 متمنيا " أن تؤلف مصر في ظل اسماعيل حكومة واحدة من البحر الابيض إلى خط الاستواء وأن تصل مملكة هرر إلى أعلى درجة في الرفاهة والتقدم في الشرق بعد مصر".