الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

أهمية "السقا" التاريخية ودوره بالمجتمع - جريدة صوت بلادي


أهمية "السقا" التاريخية ودوره بالمجتمع

 جريدة صوت بلادي الصادرة من امريكا عدد 264 في ديسمبر 2018

بقلم: محمد جمال سباق الحويطي
يعتبر السقا من المهن الخدمية القديمة التي عرفتها البشرية ،وتواجدت لحاجة الإنسان اليها ، وخاصة قبل توفر المياه للمنازل والاحياء. ف "السَقّاء" والجمع "السَقَّاءون" هم جماعة تحترف حمل المياه وتوزيعها وتوصيلها لمكان احتياجها، وكان السقا حتى أواخر القرن التاسع عشر في القاهرة والإسكندرية موجود ويتجول بالأحياء والميادين حتى إنشاء شركة المياه وضخ المياه في المواسير لتصل إلى المنازل والاماكن الحيوية ،وذلك في سنة  1860م ،وظل السقا حتى منتصف القرن العشرين موجود في قرى ونجوع مصر ،يقوم بدوره على أكمل وجه ،لكون المياه لم تصل الى المنازل كما حدث في المدن الكبيرة وبقيت حاجتهم للسقا ما داموا يفتقرون للمياه في حياتهم، فعمل السقا كان ذات يوم عملًا ومهنة، لا يمكن للإنسان في أي مجتمع الاستغناء عنها ، فأهمية السقا من ضرورة المياه وأهميتها للإنسان.

لم يكن الالتحاق بهذه المهنة من السهل، أو أي شخص يمكن أن يتحملها، ولكن لذلك شروطاً من أهمها القدرة الجسمانية التي تجعله يستطع أن يحمل علي ظهره قربة من جلد الماعز مملوءة بالمياه الصالحة للشرب، يأتي بها من النيل وخزنات المياه حتى الحي الذي يعمل به ،ولذلك خص بها الرجال دون النساء ،كما أنه لابد أن يكون معروفاً  بين الناس بحسن السير والسلوك ، فالسقا لم يكن دوره توصيل المياه علي أبواب المنازل ،ولكنه يدخل ليدلوا بالمياه في الأُزْيارٌ، وأواني تخزين المياه التي بالمنازل بهذا العصر؛ فهو عمل يحتاج للأمانة والقوة معًا.

وقُسمت السقاءون إلى طوائف كل منهم أختص بمرحلة ودور ، فالسقا الذي يوصل المياه للمنازل بالأحياء، غير المسؤول عن الأسبلة بالطرقات العامة و المساجد والقصور ، كما كان لكل طائفه كبيراً يعين من بينهم بمثابة نقيبًا أو شيخ للطائفة يحل أزماتهم ويرجع له الناس إذا ما حدث مخالفة من أحد أبناء طائفته، فيحكم بينهم ويفصل النزاعات، وكانت تصدر لهم رخصة للعمل بهذه المهنة من الإدارة المحلية بنظاره الداخلية ،يُكتب فيها أسمه وعمره ومحل ميلاده وأوصافه الجسمانية الكاملة وكذلك جنسيته وتاريخ صدورها.

فالسقاء مهنة لها أهمية تاريخية، ودور ومشاركة اجتماعية نقلها لنا المؤرخون وأهل الأخبار وكتبت عنها القصص وتداول ذكرهم العامة في الأمثال الشعبية، لم يقف دور السقا على توصيل المياه ولكن كان يتم الاستعانة به بهذا الزمن للإسهام في إطفاء الحرائق، فعند حدوث الكارثة، كان الوالي يستدعي عدداً كافياً من السقايين وذلك لإخماد النيران.

 كما أستخدم تاريخيًا "السقا" كإحدى أوراق الضغط السياسي من الحاكم نحو أهل الحي أو المدينة العاصية له، ففي عهد خليل باشا الذي تولى حكم مصر في سنة 1710م كانت بينه وبين عامليه من الأغاوات الخارجين عن الحكم ،مناوشات وحرب وكر وفر ، فارسل الباشا إلى العربان يأمرهم بأخذ جمال السقايين وحميرهم ومنع الماء عن القاهرة فأخذوا جميع ما وجدوه من جمال السقايين وحميرهم فعز الماء ووصل ثمن القربة الماء إلى خمسة أصناف، وهو ما يؤكد على أهمية وظيفة السقا في الحياه الاجتماعية والسياسية بذلك العصر.